Monday, June 2, 2014

يونس


مرّ عام وشهر وبضع أيام ..لا يومين وثلاث ساعات منذ رأيتها للمرة الأولى .. ومنذ ان أخبرها كم أسرت قلبه منذ دلفت حانوته بمشيتها الهادئة ونظرتها الناعمة التى جعلته يهمل كل زبائنه ليلبى لها طلبها وتمنى أن تتوقف الساعات كى ينعم برفقتها لأطول وقت ممكن .. كانت عاصفة هوجاء بعثرت اوراقه ما ان فتحت الباب فقد كان الشتاء قارسا ذلك العام وكانت الرياح عاتية كما اضطراب روحه بتلك النيران تشتعل لتدفىء وحشة القلب الى ان اشعلت كل غابات القلب وجاءت هى ..لترتب اوراقه وتلمع صور الاماكن التى طالما ود السفر اليها ..جاءت كفراشة تهبط على بتلات وردة فى صباح يملؤه الندى ..جاءت ومن يومها لم يعد لنفسه و صارت روحه تقيم حيث تذهب روحها .. لا يلتقيان سوى فى احلامه ..الى ان ان اعترف لها ..ولم تتفهم وقتها فقد كانت صغيرة القلب ولم تشأ ان ترسو مراكبها قبل ان تترك شواطئها .. فاعادته صفر اليدين ..مُحمل بهمومِ لم يعلم ان له قِبل بتحملها .. ومرت الايام وهو يراها تأتى متجاهلة طلبه .. تشترى منه بضاعته وهو قد باعها أغلى ما يملك يوم ملكت عليه أمره وصارت مليكته .. تمر كل شهر بالحانوت تبتاع ما تريد ليكفل احتياجات منزلها المتواضع حيث علم فيما بعد انها تعيش مع والدها ووالدتها بعدما سافر اخوتها للاسكندرية بحثا عن بحر بداخل البحر ..وربما حسد اخوتها على قربهم من البحر يبثونه همومهم متى شاؤوا كما تمنى يوما ان يشكوها هو للبحر ذات ليلة .. علّه يساعده او يفهمه او يعينه على نسيانها او يبتلعه ويُنهى الامر برمته .. 


رأى ذات ليلة فيما يرى العاشق ..أن مضى يكتب رسالة لم يدرى لمن سيرسلها أو ما محتواها ويضعها فى قارورة زجاجية لم يرى فى بهائها قط ثم يذهب الى البحر ويركب مركب وهو يُجدف بكل ما اوتى من قوة الى ان اصبح بداخل القلب النابض للبحر ولم يدر حينها اهذا الهدير كان صوت ضربات قلبه ام صوت موجات البحر وهى تتكسر على خشب مركبه الصغير .. وألقى القارورة وااستيقظ فزعا .. فعلم حينها انها قد سحرته وصار قلبه ضائعا فحتى لو بادلته الود لن يتمكن من حبها كما يريد فقد نسى قلبه حيث اهله فمنذ عدة سنوات وهو يعيش وحيدا حتى سماه  أهل الحارة كلهم ب"يونس الوحيد" ولم يكن يضايقه هذا اللقب فهل الحقيقة تزعج ؟ بعد تفكير ..نعم الحقائق دائما مزعجة .. كان وحيدا قبلها وصار وحيدا اكثر بعدها .. ولكنه لم يياس فبعد عام منذ اعترفه الأول جاءت له فرصة السفر الى مسقط راسه ..وتمنى لو يودعها ومعه على الأقل وعدا منها بانها قد تنتظره ..ولكنها فى ذاك العام نضجت واعتنقت عقيدة الحرية ولم تكن لتسمح ان يقيدها أحدهم بعشقه دون ان يصيبها الخدر عند لقائهما فكان بالنسبة لها مجرد صبى يعمل فى الحانوت المقابل لمنزلها ومنذ رأته لم تصاب بخدرِ او تشعر بأنه هو جزيرتها التى سترسل سفن روحها اليها فلم تأبه عندما رفضت حبه للمرة الثانية ولم تهتم لمقدار تعلقه بها الذى حمّله الانتظار عاما كى تهدأ عواصفها ليستجمع قواه التى خارت فى مواجهة الدنيا قبل ان يواجه دنيتها ..كان فقط يتمنى امتلاك عينيها لبضع لحظات قبل أن يعود الى بلدته حزينا ولكنه لم يعلم انها أسفت لانكارها لشلالات حبه الهادرة فكتبته ..

No comments:

Post a Comment