Wednesday, August 14, 2013

أسود

الأسود .. رسالة بالحبر الأسود اليكى يا ابنتى ..لم أدر لماذا دفعتنى يدى ان أكتب لكى تلك الرسالة انما ما يحدث الان لا يمكن معرفة أسبابه فليس لدى سبب سوى أننى وددت الشكوى واللجوء لاحد بعد ربى ولم أجد أرق منكِ ..ابنتى بعد عدة أوام قد تأتين للعالم وقد لا يمد الله بعمرى حتى أنجبك ولكن تقبلى اشتياقى و قلقى عليكِ وعلى مستقبلك الذى ماعاد له أى ملمح من الانسانية فكيف بالتقدم ....؟ مصر تموت الان ..تموت ولا أحد سيصلى عليها لأننا حينها سنكون جميعا اموات ..اه لو تدرين مقدار الوجع الحادث بداخلنا .. بدا اليوم عندما استيقظت على رنين هاتفى محذرا اياى من النزول الى الشارع فورها اشتممت رائحة الدماء الخانقة وامتلأت عيناى احمرارا اضافة الى التهابها فى تلك الليلة .. اتعرفين مقدار ما يتملكنى من القلق عندما أخشى شيئا ..مفيش اصعب من انك تكونى عايزة تعيطى ومفيش فيكى دموع ..عارفة الصدمة أكبر من انها تكون محتملة ..مش هقولك اننا صغيرين بس هقولك ان الخوف والقلق بيقتلوا وبينشروا سواد فى الروح ...سواد بلون الجثث المحروقة ولون الظلم ..علمنا مُعبر جدا فى هذه الحالة ..أحمر بلون الدم الذى صار مياه يغتسل بها الوطن كلما شعر بالملل ..ابيض لون الاوراح الطيبة التى فقدها كوكبنا اليوم والذين اختارهم الموت كما ينتقى ضحاياه ..الموت ملك لا يرضى سوى بالأفضل ..لا يرضى بأقل من فرائد العقد..يأتى متمخترا ببرود و يأخذ من يريد ويرحل تاركا الاحياء يتعذبون بفقد غاليهم ..يأتى كرياح تدخل الى غرفة انكسر شباكها لتعيد ترتيب أوراق الحياة بالفوضى ..يدفعك لاعادة ترتيب ما هو مهم وما هو لا قيمة له ..وتتضاءل الاشياء لتصبح ضئيلة للغاية ولا قيمة لما كنت تحسبه عال القيمة .. أتعلمين كم من مرّة فكرت فى كتابة وصيتى ؟؟ أود أن يُنشر كتابى و اود ان تُغلق جميع حساباتى على مواقع التواصل ..ولا أريد ان يعبث احدهم بذكرياتى ولا أن يذكرنى أحد الا ويدعو لى .. بت أكره الموت .. أسمع اسم أحد من أعرف واتذكره  وتظلم الدنيا وينتشر السواد وتهدأ دقات القلب ..ثم تنكشف غمة القلق قليلا عندما أعلم انه بخير ..ما عادت نظرية جحا المستكين فى حياته الخاصة تنفع ..صار الألم فى كل مكان ..حبيبتى لم أشعر قبلا بتلك الحالة التى تلجم القلب واللسان والقلم .. كان دافعى الوحيد أن أكتب هو ان أحكى لك بم أشعر ..

يتوه الحق ويندثر وتطفو السادية على السطح و يصبح الهلع لغة العصر والدعاء زاد العباد فى زمن تحتضر فيه البلاد ..لا أعلم لماذا تحضرنى أغنية كاظم " أحبينى بعيدا عن بلاد الظلم والكبت..بعيدا عن بلاد شبعت من الموت" صار الموت يراقص الحياة فالسا موجعا ..
عارفة احساس انك مش عايشة وكل اللى بيحصل ده مجرد فيلم سخيف هيخلص قريب .. وان مفيش موت ودمار وعبث بالغباء ده ..وانك تكفرى بثوابت انك عارفة حاجة او انك واثقة من حاجة ..معادش فيه ثوابت ربنا وحده اللى يعلم باللى حاصل ...

صمت الأماكن , وحدها الاماكن تتوجع ولا أحد يفهم ما تقول أو يشعر به .. بعد وقت ما ستعود الحياة لشبه طبيعتها او لطبيعتها الممسخة وتعود القد لتطأ أماكن اغتسلت بدماء اخرين كانوا دوما يملأون الحياة صوتا و خوفا وضحكا وصلاة و بكاءا وجدالا وحلما ورغبة فى الحياة التى لم يعرفوا معناها .. وحدها الاماكن تشهد أنفاسهم الأخيرة وتأوهاتهم التى أعلنت وداعهم لها..وحدها الأرض واسفلتها احتنضتهم وربما دعت لهم وكانت أحن عليهم من أُناس فقدوا انسانيتهم .. 

مقاومة الانهيار اقل وطأة بكثير من الانهيار بذاته .. أن تعلن ضعفك أقل ايلاما من أن تُمثل أنك قوى ... " لم يخلق الدمع لامرئ عبثا ..الله أدرى بلوعة الحزنِ" ..ما يقتل الروح هو أن تعلمى أن هناك أمهات سيبتن الليلة باكيات متمزقات ..وقد فقدن جزء من ارواحهن ..أنت لا تدرين ذلك لأنك لستِ أما بعد ولكنى أدرى بذلك عندما أذكرك وأتخيل ان سوءا ما حدث لكِ..

النوم ..يُمسى مهربا ولكنه يقف عاجزا عندما تخونك الأحلام وتصبح موصولة بالواقع ولا تقدم واقعا بديلا ..بل واقعا أشد أخافة وأشد ألما ولا يحتوى موتا أقل.. وتخاف أن تهرب من واقعك لتستيقظ وتجد واقعك تغير براديكالية لم يتخيلها عقلك .. 

الوجود ..أتذكر ذلك الفيلم الذى كانت تدور فكرته حول الوجودية ..كان هناك ظلاما يبتلع كل من يمر به ولم يكن هناك مضاد له سوى أن يعترف انه موجود ويصرخ : 
I exist !!!
ولم يكن ينجو منه سوى من يؤمن بوجوده الحى .. وانا لم اعد اشعر بذلك واود استجداء تاكيد وجودى بالكتابة ولأول مرة أود أن أنشر ما أكتب على الرغم من كونه خصوصى المحتوى الى حد كبير ..
ونهاية رسالتى اليكِ دعاء لوطنى أن يعود وطنى وان يغيثنا الله 

1 comment: